الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة ورد وكرطوش 2: ملحمة فنية لهدى غربال ووديع المهيري على سفح جبل سمامة

نشر في  28 نوفمبر 2017  (11:27)

 بقلم زينة مساهلي

اختارت الفنانة التشكيلية هدى غربال والفنان وديع المهيري سفح جبل سمامة ليكون شاهدا على عشقهما الأزلي للأرض وللفن التشكيلي.. فكانت تظاهرة "ورد وكرطوش" محملة بالحب والورود والذخيرة الحربية متحدية بذلك منطق التضاد والاختلاف لتصنع بينهما تمازجا جميلا في آن ولتقدم حلولا للبشرية في آن آخر.

وقد كانت مدرسة الوساعية الثكنة المنيعة التي جندا من خلالها العساكر الصغار ليحملوا سلاح العلم والثقافة تحديا للعدو الغاشم الذي يتربص بهم من وراء أغوار الجبال تنظيرا لمستقبل أفضل وذلك من خلال ورشة فنية أشرف على تكوينها هذا الثنائي الرهيب يومي 18 و19 نوفمبر 2017 حيث حفّز هاذان القائدان تلامذة مدرسة الوساعية "بخشم جامع" ضمن مهمة  صنع فزاعات جميلة تتناسق وسحر المكان فكانت محملة بألوان الحياة والحب من واجهة والدفاع والذود عن الوطن بواسطة رسم الزي العسكري للجيش التونسي  المفدى من الواجهة الأخرى.

فزاعات توجت بالحلفاء وعبق الأرض لتتحدد الهوية وتعلن خطة الثبات في المكان فلا مجال للترحيل ولا محل لاغتصاب الذات والحرية..

 وقد اختارت الفنانة هدى غربال والفنان وديع المهيري "مسرح الفلاقة" كفضاء مفتوح لعرض انتاجاتهم الفنية يومي 25 و26 نوفمبر2017 منذ الساعة العاشرة صباحا إلى حدود الخامسة بعد الزوال حيث تصدرت الفزاعات قمة المكان لتحرس الزائرين وتؤمن لهم المكان المكشوف للأعداء، فكانت  مواجهة حربية ساخنة حملت الكثير من القوة والشجاعة والجمال والفن حيث أدمجت الزائرين في المواجهة ومدتهم بالكثير من الأمان والانتماء والحميمية..

وقد عمد هذا الثنائي الرهيب على تحدي معضلة ثبوتية المكان حيث قاما بنقل مكان فضاء المعرض إلى  "مسرح  الفلاقة" بطريقة تقنية مختلفة أدمجت الزائرين في  أجواء العرض افتراضيا وأطلعتهم على مختلف أعمالهما الفنية...  

كما قامت الفنانة هدى غربال بتنصيب عروضها الفنية على امتداد هضبة المكان، وهي عبارة عن رؤوس آدمية  مقطوعة انتصبت  مبتهلة من وجع غريب طال أجسادها المنفصلة، وقد ثبتت بقنوات سوداء صنعت بتقنيات مختلفة  حيث رصفت في شكل متلاصق لتتغذى من نفس المصدر الملوث بالدنس..

دينامكية فنية رائعة  حاكت الفن وتدبرت شؤون الخلق على أن مأساة الإنسان تتمثل في رضوخه لقدره المثبت بقانون البقاء للأقوى... رؤوس خرساء بملامح حيوانية جشعة حملت تشوهات على امتداد حواسها و ثقلت بأسلحة وأساليب الدمار بما في ذلك "الكرطوش".. رؤوس شابهت في ألمها تلك الرؤوس المقطوعة لرعاة جبل سمامة الأبطال..

عمل فني رائع حملته هذه الفنانة عبئ آلام مجتمعنا الإنساني ورضوخه لسياسة  الإقصاء والإعدام للذات والحرية  من قبل سياسات اعتمدت التحجر الفكري والروحي وعملت على استنساخ الأفكار الثابتة رافضة بذلك مبدأ التجديد والتحرر.. هذه الرؤوس انتصبت مع انتصاب الشمس وقد حملتها الفنانة هدى غربال ما لا طاقة لها من فلسفة الهواجس والقلق التي أرقتها ودفعت بها  لتدبر في مصير هؤلاء.

وعلى يمين هذه التنصيبة قام الفنان المبدع وديع المهيري بتنصيب كواكبه الأربعة التي ضخها بأحزانه العميقة وأسفه على انقلاب القيم الإنسانية، فكشفت على قلق صدعتها أنانية الإنسان وجشعه الامتناهي..  كواكب قلدت بـ"بالكرطوش" والدخان الملوث عوضا عن طبقة الأوزون.. هواء مختنق يوحي بنفاذ الأكسيجين وكأن هذه الأرض التي تحتضر استوفت قدرتها على تحمل الإنسان  لتتحول أخيرا لقنبلة تهدد بالانفجار.

تعددت الكواكب المدمرة وكأن بطش الإنسان طال المجرة الكونية عل امتدادها فلا مجال لتعايش في أي مكان ما.. عبثية صارخة تحيل الى تناقضات عميقة شطرت الإنسان بما في ثنائيات البناء والتهديم، الخير والشر، الحرب والسلم.. "ابحثوا لنا إذا عن كوكب آخر غير هذا الكوكب الهش"

هكذا عبر الفنان وديع المهيري  والفنانة هدى غربال عن وجعهما وغيرتهما على الأرض والإنسان كقيمة ثابتة،  فكان الورد والحب غالبان على الدمار والكرطوش في جل منحوتاتهما الفنية المستمدة من الواقع ضمن ملحمة فنية ناجحة ومتميزة "ورد وكرطوش 2".